فصل: سورة الطور

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ***


سورة الطور

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 5‏]‏

‏{‏وَالطُّورِ ‏(‏1‏)‏ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ‏(‏2‏)‏ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ ‏(‏3‏)‏ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ‏(‏4‏)‏ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏والطور‏}‏ أقسم الله تعالى بالجبل الذي كلَّم عليه موسى، وهو جبلٌ بمدين اسمه زبير‏.‏

‏{‏وكتاب مسطور‏}‏ مكتوبٍ‏.‏

‏{‏في رقّ‏}‏ وهو الجلد الذي يكتب فيه ‏{‏منشور‏}‏ مبسوطٍ‏.‏ أَيْ‏:‏ دواوين الحفظة التي أثبتت فيها أعمال بني آدم‏.‏

‏{‏والبيت المعمور‏}‏ وهو بيتٌ في السَّماء بإزاء الكعبة تزوره الملائكة‏.‏

‏{‏والسقف المرفوع‏}‏ أي‏:‏ السَّماء‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏6- 7‏]‏

‏{‏وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ‏(‏6‏)‏ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏والبحر المسجور‏}‏ المملوء‏.‏

‏{‏إنَّ عذاب ربك لواقع‏}‏ لنازلٌ كائنٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏يوم تمور السماء موراً‏}‏ تتحرَّك وتضطرب وتدور‏.‏ يعني‏:‏ يوم القيامة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏12- 15‏]‏

‏{‏الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ ‏(‏12‏)‏ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ‏(‏13‏)‏ هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ‏(‏14‏)‏ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏الذين هم في خوض‏}‏ باطلٍ ‏{‏يلعبون‏}‏ أي‏:‏ تشاغلهم بكفرهم‏.‏

‏{‏يوم يدعون إلى نار جهنم دعاً‏}‏ يُدفعون إليها دفعاً عنيفاً، ويقال لهم‏:‏

‏{‏هذه النار التي كنتم بها تكذبون‏}‏‏.‏

‏{‏أفسحر هذا‏}‏ الذي ترون ‏{‏أم أنتم لا تبصرون‏}‏‏؟‏ وهذا توبيخٌ لهم، والمعنى‏:‏ أتصدِّقون الآن عذاب الله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏فاكهين بما آتاهم ربهم‏}‏ أَيْ‏:‏ مُعجبين به‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏21- 27‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ‏(‏21‏)‏ وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ‏(‏22‏)‏ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ ‏(‏23‏)‏ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ ‏(‏24‏)‏ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ‏(‏25‏)‏ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ‏(‏26‏)‏ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم‏}‏ يريد‏:‏ إنَّه يلحق الأولاد بدرجة الآباء في الجنَّة إذا كانوا على مراتب، وكذلك الآباء بدرجة الأبناء لتقرَّ بذلك أعينهم، فيلحق بعضهم بعضاً إذا اجتمعوا في الإيمان، من غير أن ينقص من أجر مَنْ هو أحسن عملاً شيئاً بزيادته في درجة الأنقص عملاً، وهو قوله‏:‏ ‏{‏وما ألتناهم‏}‏ أَيْ‏:‏ وما نقصناهم ‏{‏من عملهم من شيء كلُّ امرئ بما كسب‏}‏ بما عمل من خيرٍ أو شرٍّ ‏{‏رهين‏}‏ مرهونٌ يُؤخذ به‏.‏

‏{‏وأمددناهم بفاكهة ولحم‏}‏ أَيْ‏:‏ زدناهم‏.‏

‏{‏يتنازعون‏}‏ يتناولون ويأخذ بعضهم من بعض ‏{‏فيها كأساً لا لغوٌ فيها ولا تأثيم‏}‏ لا يجري بينهم فيها باطلٌ ولا إثمٌ كما يجري بين شَرَبة الخمر في الدُّنيا‏.‏

‏{‏ويطوف عليهم‏}‏ بالخدمة ‏{‏غلمان لهم كأنهم‏}‏ في بياضهم وصفائهم ‏{‏لؤلؤ مكنون‏}‏ مخزونٌ مصونٌ‏.‏

‏{‏وأقبل بعضهم على بعض‏}‏ في الجنَّة ‏{‏يتساءلون‏}‏ عن أحوالهم التي كانت في الدُّنيا‏.‏

‏{‏قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين‏}‏ خائفين من عذاب الله‏.‏

‏{‏فمنَّ الله علينا‏}‏ بالجنَّة ‏{‏ووقانا عذاب السموم‏}‏ عذاب سموم جهنم، وهو نارها وحرارتها‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏29- 35‏]‏

‏{‏فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ ‏(‏29‏)‏ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ‏(‏30‏)‏ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ ‏(‏31‏)‏ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ‏(‏32‏)‏ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ ‏(‏33‏)‏ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ‏(‏34‏)‏ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ‏(‏35‏)‏‏}‏

‏{‏فذكر‏}‏ فذكِّرهم يا محمَّد الجنَّة والنَّار ‏{‏فما أنت بنعمة ربك‏}‏ برحمة ربّك وإكرامه إيَّاك بالنُّبوَّة ‏{‏بكاهنٍ‏}‏ تخبر بما في غدٍ من غير وحيٍ ‏{‏ولا مجنون‏}‏ كما تقولون‏.‏

‏{‏أم يقولون‏}‏ بل أيقولون‏:‏ هو ‏{‏شاعرٌ نتربَّص به ريب المنون‏}‏ ننتظر به الموت فيهلك‏.‏

‏{‏قل تربصوا فإني معكم من المتربصين‏}‏ حتى يأتي أمر الله فيكم‏.‏

‏{‏أم تأمرهم أحلامهم‏}‏ عقولهم ‏{‏بهذا‏}‏ أَيْ‏:‏ بترك قبول الحقِّ من صاحب المعجزة ‏{‏أم هم قوم طاغون‏}‏ أَيْ‏:‏ أم يكفرون طغياناً بعد ظهور الحقِّ‏.‏

‏{‏أم يقولون تقوَّله‏}‏ أَي‏:‏ القرآن من قبل نفسه، ليس كما يقولون ‏{‏بل لا يؤمنون استكباراً‏}‏‏.‏

‏{‏فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين‏}‏ أنَّ محمداً يقوله من قبل نفسه‏.‏

‏{‏أم خلقوا من غير شيء‏}‏ أَيْ‏:‏ لغير شيءٍ‏.‏ يعني‏:‏ أَخُلقوا عبثاً وسُدىً ‏{‏أم هم الخالقون‏}‏ أنفسهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏37- 42‏]‏

‏{‏أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ ‏(‏37‏)‏ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ‏(‏38‏)‏ أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ‏(‏39‏)‏ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ‏(‏40‏)‏ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ‏(‏41‏)‏ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏أم عندهم خزائن ربك‏}‏ ما في خزائن ربِّك من العلم بما يكون في غدٍ ‏{‏أم هم المسيطرون‏}‏ المُسلَّطون الجبَّارون‏.‏

‏{‏أم لهم سلَّم‏}‏ مرقىً إلى السَّماء ‏{‏يستمعون فيه‏}‏ أنَّ الذي هم عليه حقٌّ ‏{‏فليأت مستمعهم‏}‏ إن ادَّعوا ذلك ‏{‏بسلطانٍ مبين‏}‏ بحجَّةٍ واضحةٍ، ثمَّ سفَّه أحلامهم في جعلهم البنات لله، فقال‏:‏

‏{‏أم له البنات ولكم البنون‏}‏‏.‏

‏{‏أم تسألهم أجراً‏}‏ على ما جئتهم به ‏{‏فهم من مغرم‏}‏ غُرمٍ ‏{‏مثقلون‏}‏ مجهودون، والمعنى‏:‏ إنَّ الحجَّة واجبةٌ عليهم من كلِّ جهةٍ‏.‏

‏{‏أم عندهم الغيب‏}‏ علم ما يؤول إليه أمر محمد صلى الله عليه وسلم ‏{‏فهم يكتبون‏}‏ يحكمون بأنَّه يموت فتستريح منه‏.‏

‏{‏أم يريدون كيداً‏}‏ مكراً بك في دار النَّدوة ‏{‏فالذين كفروا هم المكيدون‏}‏ المجزيون بكيدهم؛ لأنَّ الله تعالى حفظ نبيَّه عليه السَلام من مكرهم، وقُتلوا هم ببدر‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏44- 45‏]‏

‏{‏وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ ‏(‏44‏)‏ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ ‏(‏45‏)‏‏}‏

‏{‏وإن يروا كسفاً‏}‏ قطعاً ‏{‏من السماء ساقطاً يقولون‏}‏ لعنادهم وفرط شقاوتهم‏:‏ ‏{‏سحاب مركوم‏}‏ بعضه على بعض‏.‏ وهذا جوابٌ لقولهم‏:‏ ‏{‏فأسقط علينا كسفاً من السماء‏}‏ أخبر الله تعالى أنَّه لو فعل ذلك لم يؤمنوا‏.‏

‏{‏فذرهم حتى يلاقو يومهم الذي فيه يصعقون‏}‏ يموتون، ثمَّ أخبر أنَّه يعجِّل لهم العذاب في الدُّنيا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏47- 49‏]‏

‏{‏وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏47‏)‏ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ‏(‏48‏)‏ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ‏(‏49‏)‏‏}‏

‏{‏وإنَّ للذين ظلموا‏}‏ كفروا ‏{‏عذاباً دون ذلك‏}‏ قبل موتهم، وهو الجوع والقحط سبع سنين، ثمَّ أمره بالصَّبر فقال‏:‏

‏{‏واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا‏}‏ بحيث نراك ونحفظك ونرعاك ‏{‏وسبح بحمد ربك حين تقوم‏}‏ من مجلسك قل‏:‏ سبحانك اللهم وبحمدك‏.‏

‏{‏ومن الليل‏}‏ فسبحه، أَيْ‏:‏ صلِّ له صلاتي العشاء ‏{‏وإدبار النجوم‏}‏ أَيْ‏:‏ ركعتي الفجر

سورة النجم

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 8‏]‏

‏{‏وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ‏(‏1‏)‏ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ‏(‏2‏)‏ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ‏(‏3‏)‏ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ‏(‏4‏)‏ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ‏(‏5‏)‏ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ‏(‏6‏)‏ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ‏(‏7‏)‏ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏والنجم إذا هوى‏}‏ أي‏:‏ والثُّريا إذا سقطت‏.‏ وقيل‏:‏ القرآن إذا نزل مُتفرِّقاً نجوماً‏.‏

‏{‏ما ضلَّ صاحبكم‏}‏ محمد عليه السَّلام ‏{‏وما غوى‏}‏‏.‏

‏{‏وما ينطق عن الهوى‏}‏ ما الذي يتكلَّم به ممَّا قاله بهواه‏.‏

‏{‏إن هو‏}‏ ما هو ‏{‏إلاَّ وحيٌ يوحى‏}‏ إليه‏.‏

‏{‏علمه شديد القوى‏}‏ أَيْ‏:‏ جبريل عليه السَّلام‏.‏

‏{‏ذو مرَّة‏}‏ قوَّةٍ شديدةٍ ‏{‏فاستوى‏}‏ جبريل عليه السَّلام في صورته التي خلقه الله عزَّ وجلَّ عليها‏.‏

‏{‏وهو بالأفق الأعلى‏}‏ وذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أن يريه نفسه على صورته، فواعده ذلك بحراء، فطلع له جبريل عليه السَّلام من المشرق، فسدَّ الأفق إلى المغرب‏.‏

‏{‏ثم دنا فتدلى‏}‏ هذا من المقلوب، أَيْ‏:‏ ثمَّ تدلى أَيْ‏:‏ نزل من السَّماء، فدنا من محمَّد عليه السَّلام‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏9- 17‏]‏

‏{‏فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ‏(‏9‏)‏ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ‏(‏10‏)‏ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ‏(‏11‏)‏ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ‏(‏12‏)‏ وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى ‏(‏13‏)‏ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ‏(‏14‏)‏ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ‏(‏15‏)‏ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ‏(‏16‏)‏ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏فكان‏}‏ منه في القرب على قدر ‏{‏قوسين أو أدنى‏}‏ والمعنى‏:‏ أنَّه بعد ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظمه، وهاله ذلك ردَّه الله تعالى إلى صورة آدميٍّ حتى قرب من النبيِّ صلى الله عليه وسلم للوحي، وذلك قوله‏:‏

‏{‏فأوحى إلى عبده‏}‏ محمد صلى الله عليه وسلم ‏{‏ما أوحى‏}‏ الله عزَّ وجلَّ إلى جبريل عليه السَّلام‏.‏

‏{‏ما كذب الفؤاد ما رأى‏}‏ أَيْ‏:‏ لم يكذب قلب محمَّد عليه السَّلام فيما رأى ليلة المعراج، وذلك أنَّ الله جعل بصره لفي فؤاده حتى رآه، وحقَّق الله تعالى تلك الرُّؤية وقال‏:‏ إنها كانت رؤية حقيقية ولم تكن كذباً‏.‏

‏{‏أفتمارونه على ما يرى‏}‏ أفتجادلونه في أنه رأى الله عزَّ وجلَّ‏.‏

‏{‏ولقد رآه‏}‏ ربَّه‏.‏ وقيل‏:‏ رأى جبريل على صورته التي خلق عليها ‏{‏نزلة أخرة‏}‏ مرَّة أخرى‏.‏

‏{‏عند سدرة المنتهى‏}‏ وهي شجرةٌ إليها ينتهي علم الخلق، وما وراءها غيبٌ لا يعلمه إلاَّ الله عزَّ وجلَّ‏.‏

‏{‏عندها جنة المأوى‏}‏ وهي جنَّةٌ تصير إليها أرواح الشُّهداء‏.‏

‏{‏إذ يغشى السدرة ما يغشى‏}‏ قيل‏:‏ يغشاها فراش من ذهب‏.‏ وقيل‏:‏ الملائكة أمثال الغربان‏.‏

‏{‏ما زاغ البصر وما طغى‏}‏ هذا وصفٌ أدبِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، أَيْ‏:‏ لم يمل بصره عمَّا قصد له، ولا جاوز إلى ما أُمر به‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏18- 24‏]‏

‏{‏لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ‏(‏18‏)‏ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ‏(‏19‏)‏ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ‏(‏20‏)‏ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى ‏(‏21‏)‏ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ‏(‏22‏)‏ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ‏(‏23‏)‏ أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏لقد رأى من آيات ربه الكبرى‏}‏ أَيْ‏:‏ ما رأى من الآيات العظام تلك اللَّيلة‏.‏

‏{‏أفرأيتم اللات والعُزَّى‏}‏‏.‏

‏{‏ومناة الثالثة الأخرى‏}‏ هذه أصنامٌ من حجارةٍ كانت في جوف الكعبة‏.‏ والمعنى أخبرونا عن هذه الإناث التي تعبدونها، وتزعمون أنَّها بنات الله، أللَّهِ هي، وأنتم تختارون الذُّكران، وذلك قوله‏:‏

‏{‏ألكم الذكر وله الأنثى‏}‏‏.‏

‏{‏تلك إذاً قسمة ضيزى‏}‏ جائرةٌ ناقصةٌ‏.‏

‏{‏إن هي‏}‏ ما هذه الأوثان ‏{‏إلاَّ أسماء‏}‏ لا حقيقة لها ‏{‏سميتموهم أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها‏}‏ بعبادتها ‏{‏من سلطان‏}‏ حجَّةٍ وبرهانٍ‏.‏ ‏{‏إن يتبعون‏}‏ ما يتَّبعون في عبادتها وأنَّها شفعاء لهم ‏{‏إلاَّ الظن وما تهوى الأنفس‏}‏ يعني‏:‏ إنَّ ذلك شيء ظنُّوه، وأمرٌ سوَّلت لهم أنفسهم ‏{‏ولقد جاءهم من ربهم الهدى‏}‏ البيان على لسان محمَّد صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏{‏أم للإِنسان ما تمنى‏}‏ أَيظنُّون أنَّ لهم ما تمنَّوا من شفاعة الأصنام‏؟‏ ليس كما تمنَّوا‏.‏ بل

تفسير الآيات رقم ‏[‏25- 30‏]‏

‏{‏فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى ‏(‏25‏)‏ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ‏(‏26‏)‏ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى ‏(‏27‏)‏ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ‏(‏28‏)‏ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ‏(‏29‏)‏ ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى ‏(‏30‏)‏‏}‏

‏{‏فللَّه الآخرة والأولى‏}‏ فلا يجري في الدَّارين إلاَّ ما يريد‏.‏

‏{‏وكم من ملك في السموات‏}‏ هو أكرم على الله من هذه الأصنام ‏{‏لا تغني شفاعتهم‏}‏ عن أحدٍ ‏{‏شيئاً إلاَّ من بعد أن يأذن الله‏}‏ لهم في ذلك ‏{‏لمن يشاء ويرضى‏}‏ كقوله‏:‏ ‏{‏ولا يشفعون إلاَّ لمن ارتضى‏}‏ ‏{‏إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى‏}‏ يقولون‏:‏ إنَّهم بنات الله‏.‏

‏{‏وما لهم به من علم إن يتبعون إلاَّ الظن وإنَّ الظن لا يغني من الحق شيئاً‏}‏ إنَّ ظنَّهم لا يدفع عنهم من العذاب شيئاً‏.‏

‏{‏فأعرض‏}‏ يا محمَّد ‏{‏عن من تولَّى عن ذكرنا‏}‏ أعرضَ عن القرآن ‏{‏ولم يرد إلاَّ الحياة الدنيا‏}‏‏.‏

‏{‏ذلك مبلغهم من العلم‏}‏ يقول‏:‏ ذلك نهاية علمهم أَنْ آثروا الدُّنيا على الآخرة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏32- 44‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ‏(‏32‏)‏ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ‏(‏33‏)‏ وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى ‏(‏34‏)‏ أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى ‏(‏35‏)‏ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى ‏(‏36‏)‏ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ‏(‏37‏)‏ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ‏(‏38‏)‏ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ‏(‏39‏)‏ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ‏(‏40‏)‏ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ‏(‏41‏)‏ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ‏(‏42‏)‏ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ‏(‏43‏)‏ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ‏(‏44‏)‏‏}‏

‏{‏إلاَّ اللمم‏}‏ يعني‏:‏ صغار الذُّنوب، كالنَّظرة والقُبلة، وقوله‏:‏ ‏{‏إذ أنشأكم من الأرض‏}‏ يعني‏:‏ خلق أباكم من التُّراب ‏{‏وإذ أنتم أجنَّة‏}‏ جمع جنين‏.‏ ‏{‏فلا تزكوا أنفسكم‏}‏ لا تمدحوها ‏{‏هو أعلم بمن اتقى‏}‏ عمل حسنةً‏.‏

‏{‏أفرأيت الذي تولى‏}‏ أعرض عن الإيمان، يعني‏:‏ الوليد بن المغيرة، وكان قد اتَّبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيَّره بعض المشركين على ذلك فقال‏:‏ إنّي أخشى عذاب الله، فضمن له إن هو أعطاه شيئاً من ماله ورجع إلى شركه أنْ يتحمَّل عنه عذاب الله، فرجع في الشِّرك وأعطى صاحبه الضَّامن من بعض ما كان ضمن له، ومنعه الباقي، وذلك قوله‏:‏

‏{‏وأعطى قليلاً وأكدى‏}‏ أَيْ‏:‏ قطع ذلك ومنعه‏.‏

‏{‏أعنده علم الغيب فهو يرى‏}‏ ما غاب عنه من أمر الآخرة، حتى علم أنَّ غيره يحمل عنه العذاب‏.‏

‏{‏أم لم ينبأ بما في صحف موسى‏}‏ أسفار التَّوراة‏.‏

‏{‏و‏}‏ صحف‏.‏ ‏{‏إبراهيم الذي وفَّى‏}‏ أكمل ما أُمر به وأتمَّه، ثمَّ بيَّن ذلك فقال‏:‏

‏{‏ألا تزر وازرةٌ وزر أخرى‏}‏ أَيْ‏:‏ لا تؤخذ نفسٌ بمأثم غيرها‏.‏

‏{‏وإن ليس للإِنسان إلاَّ ما سعى‏}‏ عمل لآخرته‏.‏

‏{‏وإنَّ سعيه‏}‏ عمله ‏{‏سوف يرى‏}‏ في ميزانه من خيرٍ وشرٍّ‏.‏

‏{‏ثم يجزاه‏}‏ يجزى عليه ‏{‏الجزاء الأوفى‏}‏ الأتمَّ‏.‏

‏{‏وأنَّ إلى ربك المنتهى‏}‏ المصير والمرجع‏.‏

‏{‏وأنه هو أضحك‏}‏ مَنْ شاء من خلقه ‏{‏وأبكى‏}‏ مَنْ شاء منهم‏.‏

‏{‏وأنه هو أمات‏}‏ في الدُّنيا ‏{‏وأحيا‏}‏ للبعث‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏46- 50‏]‏

‏{‏مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ‏(‏46‏)‏ وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى ‏(‏47‏)‏ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى ‏(‏48‏)‏ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ‏(‏49‏)‏ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى ‏(‏50‏)‏‏}‏

‏{‏إذا تمنى‏}‏ أَيْ‏:‏ تصبُّ في الرَّحم‏.‏

‏{‏وأنَّ عليه النشأة الأخرى‏}‏ الخلق الآخر بعد الموت‏.‏

‏{‏وأنه هو أغنى‏}‏ بالمال ‏{‏وأقنى‏}‏ أرضى بما أعطى‏.‏ وقيل‏:‏ أقنى‏:‏ أعطى أصول الأموال وما يتَّخذ فيه قنيةً‏.‏

‏{‏وأنَّه هو رب الشعرى‏}‏ وهي كوكبٌ خلف الجوازاء كانت تُعبد في الجاهليَّة‏.‏

‏{‏وأنه أهلك عاداً الأولى‏}‏ قوم هود‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏53- 62‏]‏

‏{‏وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى ‏(‏53‏)‏ فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى ‏(‏54‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى ‏(‏55‏)‏ هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى ‏(‏56‏)‏ أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ ‏(‏57‏)‏ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ‏(‏58‏)‏ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ‏(‏59‏)‏ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ ‏(‏60‏)‏ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ‏(‏61‏)‏ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ‏(‏62‏)‏‏}‏

‏{‏والمؤتفكة‏}‏ قرى قوم لوط ‏{‏أهوى‏}‏ أسقطها إلى الأرض بعد رفعها‏.‏

‏{‏فغشَّاها ما غشَّى‏}‏ ألبسها العذاب والحجارة‏.‏

‏{‏فبأي آلاء ربك تتمارى‏}‏ بأيِّ نِعَم ربِّك التي تدلُّ على توحيده وقدرته تتشكَّكُ أيُّها الإنسان‏؟‏

‏{‏هذا‏}‏ محمَّدٌ ‏{‏نذير من النذر الأولى‏}‏ أَيْ‏:‏ هو رسولٌ أُرسل إليكم كما أُرسل مَنْ قبله من الرُّسل‏.‏

‏{‏أزفت الآزفة‏}‏ قربت القيامة‏.‏

‏{‏ليس لها من دون الله كاشفة‏}‏ لا يكشف عنها إلاَّ الله تعالى، كقوله‏:‏ ‏{‏لا يجلِّيها لوقتها إلا هو‏}‏ ‏{‏أفمن هذا الحديث‏}‏ أي‏:‏ القرآن ‏{‏تعجبون‏}‏‏.‏

‏{‏وتضحكون ولا تبكون‏}‏‏.‏

‏{‏وأنتم سامدون‏}‏ لاهون غافلون‏.‏

‏{‏فاسجدوا لله واعبدوا‏}‏ معناه‏:‏ فاسجدوا لله واعبدوا الذي خلق السَّموات والأرض، ولا تسجدوا للأصنام التي ذكرت في هذه السُّورة‏.‏

سورة القمر

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 11‏]‏

‏{‏اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ‏(‏1‏)‏ وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ‏(‏2‏)‏ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ‏(‏3‏)‏ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ‏(‏4‏)‏ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ‏(‏5‏)‏ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ ‏(‏6‏)‏ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ ‏(‏7‏)‏ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ ‏(‏8‏)‏ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ‏(‏9‏)‏ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ‏(‏10‏)‏ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏اقتربت الساعة‏}‏ دنت القيامة ‏{‏وانشقَّ القمر‏}‏ انفلق بنصفين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنَّ أهل مكَّة سألوه آيةً، فأراهم القمر فلقتين حتى رأوا حراءً بينهما، فأخبر الله تعالى أنَّ ذلك من علامات قرب السَّاعة‏.‏

‏{‏وإن يروا‏}‏ يعني‏:‏ أهل مكَّة ‏{‏آية‏}‏ تدلُّ على صدق محمد صلى الله عليه وسلم ‏{‏يعرضوا ويقولوا سحرٌ مستمر‏}‏ ذاهب باطلٌ يذهب‏.‏ وقيل‏:‏ محكمٌ شديدٌ‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏وكلُّ أمر مستقر‏}‏ أَيْ‏:‏ يستقرُّ قرار تكذيبهم وقرار تصديق المؤمنين‏.‏ يعني‏:‏ عند ظهور الثَّواب والعقاب‏.‏

‏{‏ولقد جاءهم‏}‏ جاء أهل مكَّة ‏{‏من الأنباء‏}‏ أخبار إهلاك الأمم المُكذِّبة ‏{‏ما فيه مزدجر‏}‏ متناهى ومنتهى‏.‏

‏{‏حكمة بالغة‏}‏ أَيْ‏:‏ ما أتاهم من أخبار مَنْ قبلهم حكمةٌ بالغةٌ تامَّةٌ، ليس فيها نقصانٌ، أي‏:‏ القرآن، وذلك أنَّ تلك الأخبار قُصَّت عليهم في القرآن ‏{‏فما تغني النذر‏}‏ جمع نذير، أَيْ‏:‏ فليست تغني عن التَّكذيب‏.‏

‏{‏فتولَّ عنهم‏}‏، وتمَّ الكلام، ثمَّ قال‏:‏ ‏{‏يوم يدع الداعي إلى شيء نكر‏}‏ مُنكرٍ، وهو النَّار‏.‏

‏{‏خشعاً‏}‏ ذليلةً ‏{‏أبصارهم يخرجون من الأجداث‏}‏ القبور ‏{‏كأنهم جراد منتشر‏}‏ كقوله‏:‏ ‏{‏كالفراش المبثوث‏}‏ ‏{‏مهطعين‏}‏ مُقبلين ناظرين ‏{‏إلى الداعي‏}‏ إلى مَنْ يدعوهم إلى المحشر ‏{‏يقول الكافرون هذا يوم عسر‏}‏ شديدٌ‏.‏

‏{‏كذبت قبلهم‏}‏ قبل أهل مكَّة ‏{‏قوم نوح فكذَّبوا عبدنا‏}‏ نوحاً ‏{‏وقالوا‏:‏ مجنون وازدجر‏}‏ زُجر ‏[‏ونُهِرَ‏]‏ ونُهي عن دعوته ومقالته‏.‏

‏{‏فدعا ربَّه أني مغلوب‏}‏ مقهورٌ ‏{‏فانتصر‏}‏ فانتقم لي منهم‏.‏

‏{‏ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر‏}‏ سائلٍ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏12- 17‏]‏

‏{‏وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ‏(‏12‏)‏ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ‏(‏13‏)‏ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ ‏(‏14‏)‏ وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ‏(‏15‏)‏ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ‏(‏16‏)‏ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏وفجرنا الأرض عيوناً‏}‏ فتحناها بعيون الماء ‏{‏فالتقى الماء‏}‏ ماءُ السَّماء وماءُ الأرض ‏{‏على أمر قد قدر‏}‏ قُضي عليهم في أمِّ الكتاب‏.‏

‏{‏وحملناه‏}‏ أَيْ‏:‏ نوحاً ‏{‏على ذات ألواح‏}‏ وهي السَّفينة ‏{‏ودسر‏}‏ يعني‏:‏ ما تُشدَّ به السَّفينة من المسامير والشُّرُط‏.‏

‏{‏نجري بأعيننا‏}‏ بمرأىً منا وحفظٍ ‏{‏جزاءً لمن كان كفر‏}‏ يعني‏:‏ نوحاً، أَيْ‏:‏ فعلنا ذلك ثواباً له إذ كُفر به وكُذِّب‏.‏

‏{‏ولقد تركناها آية‏}‏ تركنا تلك القِصَّة آيةً‏:‏ علامةً؛ ليُغتبر بها ‏{‏فهل من مدَّكر‏}‏ مُتَّعظٍ بها‏.‏

‏{‏فكيف كان عذابي‏}‏ استفهام معناه التَّقرير ‏{‏ونذر‏}‏ أي‏:‏ إنذاري‏.‏

‏{‏ولقد يسرنا القرآن للذكر‏}‏ سهَّلناه للحفظ، فليس يحفظ كتابٌ من كتب الله ظاهراً إلاَّ القرآن ‏{‏فهل من مدكر‏}‏ مُتَّعظ بمواعظه‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏19- 20‏]‏

‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ‏(‏19‏)‏ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً‏}‏ شديدةً ذات صوتٍ ‏{‏في يوم نحس‏}‏ شؤمٍ ‏{‏مستمر‏}‏ دائم الشُّؤم‏.‏

‏{‏تنزع الناس‏}‏ تقلعهم من مواضعهم ‏{‏كأنهم أعجاز نخل‏}‏ أصول نخلٍ ‏{‏منقعر‏}‏ مُنقطعٍ ساقطٍ، شُبِّهوا وقد كبَّتهم الرِّيح على وجوههم بنخيل سقطت على الأرض‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏23- 29‏]‏

‏{‏كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ ‏(‏23‏)‏ فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ‏(‏24‏)‏ أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ‏(‏25‏)‏ سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ ‏(‏26‏)‏ إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ ‏(‏27‏)‏ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ ‏(‏28‏)‏ فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏كذبت ثمود بالنذر‏}‏ جمع نذير‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏إنا إذاً لفي ضلال‏}‏ ذهابٍ عن الصَّواب ‏{‏وسعر‏}‏ جنون‏.‏

‏{‏أألقي الذكر عليه من بيننا‏}‏ أنكروا أن يكون مخصوصاً بالوحي من بينهم‏.‏ ‏{‏بل هو كذَّاب أشر‏}‏ بَطِرٌ يريد أن يتعظَّم علينا‏.‏ قال الله تعالى‏:‏

‏{‏سيعلمون غداً‏}‏ عند نزول العذاب بهم ‏{‏من الكذاب الأشر‏}‏‏.‏

‏{‏إنا مرسلو الناقة‏}‏ مخرجوها من الهضبة كما سألوا ‏{‏فتنة لهم‏}‏ محنةً لهم لنختبرهم ‏{‏فارتقبهم‏}‏ انتظر ما هم صانعون ‏{‏واصطبر‏}‏‏.‏

‏{‏ونبئهم أنَّ الماء قسمة بينهم‏}‏ بين ثمود والناقة غِبَّاً؛ لهم يومٌ، ولها يومٌ ‏{‏كلُّ شرب‏}‏ نصيبٍ من الماء ‏{‏محتضر‏}‏ يحضره القوم يوماً، والنَّاقة يوماً‏.‏

‏{‏فنادوا صاحبهم‏}‏ قُدَاراً عاقر الناقة ‏{‏فتعاطى‏}‏ تناول النَّاقة بالعقر فعقرها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ‏(‏31‏)‏‏}‏

‏{‏كهشيم المحتظر‏}‏ هو الرَّجل يجعل لغنمه حظيرةً بالشَّجر والشَّوك دون السِّباع، مما سقط من ذلك فداسته الغنم فهو الهشيمُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏34- 38‏]‏

‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ ‏(‏34‏)‏ نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ ‏(‏35‏)‏ وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ ‏(‏36‏)‏ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ‏(‏37‏)‏ وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏إلاَّ آل لوط‏}‏ أَي‏:‏ أتباعه على دينه من أهله وأُمَّته‏.‏ ‏{‏نجيناهم‏}‏ من العذاب ‏{‏بسحر‏}‏ من الأسحار، كقوله‏:‏ ‏{‏فأسر بأهلك‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏

‏{‏نعمة من عندنا‏}‏ عليهم بالإنجاء ‏{‏كذلك‏}‏ كما جزينا لوطاً وآله ‏{‏نجزي مَنْ شكر‏}‏ آمن بالله وأطاعه‏.‏

‏{‏ولقد أنذرهم‏}‏ خوَّفهم لوط ‏{‏بطشتنا‏}‏ أخذنا إيَّاهم بالعقوبة ‏{‏فتماروا بالنذر‏}‏ كذَّبوا بإنكاره شكَّاً منهم‏.‏

‏{‏ولقد راودوه عن ضيفه‏}‏ سألوه أن يُخلِّي بينهم وبين القوم الذين أتوه في صورة الأضياف، وكانوا ملائكةً ‏{‏فطمسنا أعينهم‏}‏ أعميناها، وصيّرناها كسائر الوجه، وقلنا لهم‏:‏ ‏{‏فذوقوا عذابي ونذر‏}‏‏.‏

‏{‏ولقد صبحهم بكرةً‏}‏ جاءهم صباحاً ‏{‏عذابٌ مستقر‏}‏ ثابتٌ؛ لأنَّه أفضى بهم إلى عذاب الآخرة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏41- 55‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ ‏(‏41‏)‏ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ‏(‏42‏)‏ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ ‏(‏43‏)‏ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ ‏(‏44‏)‏ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ‏(‏45‏)‏ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ‏(‏46‏)‏ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ‏(‏47‏)‏ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ‏(‏48‏)‏ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ‏(‏49‏)‏ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ‏(‏50‏)‏ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ‏(‏51‏)‏ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ‏(‏52‏)‏ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ‏(‏53‏)‏ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ‏(‏54‏)‏ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ‏(‏55‏)‏‏}‏

‏{‏ولقد جاء آل فرعون النذر‏}‏ الإنذار على لسان موسى وهارون عليهما السَّلام‏.‏

‏{‏كذبوا بآياتنا‏}‏ التِّسع ‏{‏كلها فأخذناهم‏}‏ بالعذاب ‏{‏أخذ عزيز‏}‏ قويٍّ ‏{‏مقتدر‏}‏ قادرٍ لا يعجزه شيء‏.‏ ثمَّ خاطب العرب فقال‏:‏

‏{‏أكفاركم خيرٌ من أولئكم‏}‏ الذين ذكرنا قصَّتهم ‏{‏أم لكم براءة‏}‏ من العذاب ‏{‏في الزبر‏}‏ الكتب تأمنون بها من العذاب‏.‏

‏{‏أم يقولون‏}‏ كفَّار مكَّة‏:‏ ‏{‏نحن جميع منتصر‏}‏ جماعةٌ منصورون‏.‏

‏{‏سيهزم الجمع‏}‏ أَي‏:‏ جمعهم ‏{‏ويولون الدبر‏}‏ ينهزمون فيرجعون على أدبارهم، وكان هذا يوم بدرٍ‏.‏

‏{‏بل الساعة موعدهم‏}‏ للعذاب ‏{‏والساعة أدهى وأمر‏}‏ أشدُّ أمراً وأشدُّ مرارةً ممَّا يلحقهم في الدُّنيا‏.‏

‏{‏إنَّ المجرمين في ضلال‏}‏ في الدُّنيا ‏{‏وسعر‏}‏ نارٍ في الآخرة‏.‏

‏{‏يوم يسبحون‏}‏ يجرُّون ‏{‏في النار على وجوههم‏}‏ ويقال لهم‏:‏ ‏{‏ذوقوا مسَّ سقر‏}‏ إصابة جهنَّم إيَاكم بالعذاب‏.‏

‏{‏إن كلَّ شيء خلقناه بقدر‏}‏ أَيْ‏:‏ كلُّ ما خلقناه فمقدورٌ مكتوبٌ في اللَّوح المحفوظ، وهذه الآيات نزلت في القدرية الذين يُكذِّبون بالقدر‏.‏

‏{‏وما أمرنا‏}‏ لشيءٍ إذا أردنا تكوينه ‏{‏إلاَّ واحدة‏}‏ كلمةٌ واحدةٌ، وهي ‏"‏ كن ‏"‏ ‏{‏كلمح بالبصر‏}‏ في السُّرعة كخطفة البصر‏.‏

‏{‏ولقد أهلكنا أشياعكم‏}‏ أشباهكم في الكفر من الأمم الماضية‏.‏

‏{‏وكل شيء فعلوه في الزبر‏}‏ في كتب الحفظة‏.‏

‏{‏وكلُّ صغير وكبير‏}‏ من أعمالهم ‏{‏مستطر‏}‏ مكتوبٌ‏.‏

‏{‏إنَّ المتقين في جنات ونهر‏}‏ ضياءٍ وسعةٍ‏.‏ وقيل‏:‏ أراد أنهاراً، فوحَّد لوفاق الفواصل‏.‏

‏{‏في مقعد صدق‏}‏ في مجلس حقٍّ لا لغوٌ فيه ولا تأثيمٌ ‏{‏عند مليك مقتدر‏}‏ وهو الله تعالى‏.‏ و‏"‏ عند ‏"‏ إشارةٌ إلى الرُّتبة والقربة من فضل الله ورحمته‏.‏

سورة الرحمن

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 5‏]‏

‏{‏الرَّحْمَنُ ‏(‏1‏)‏ عَلَّمَ الْقُرْآَنَ ‏(‏2‏)‏ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ‏(‏3‏)‏ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ‏(‏4‏)‏ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏الرحمن‏}‏‏.‏

‏{‏علم القرآن‏}‏ علَّم نبيَّه عليه السَّلام القرآن، ليس كما يقول المشركون‏:‏ ‏{‏إنَّما يُعلِّمه بَشرٌ‏}‏ وقيل‏:‏ معناه‏:‏ يسَّر القرآن لأَنْ يُذكر، فعلَّمه هذه الأُمَّة حتى حفظوه‏.‏

‏{‏خلق الإنسان‏}‏ يعني‏:‏ النبيَّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏{‏علَّمه البيان‏}‏ القرآن الذي فيه بيان كلِّ شيءٍ‏.‏ وقيل‏:‏ ‏{‏خلق الإنسان‏}‏ يعني ابن آدم، فعلَّمه النُّطق، وفضَّله به على سائر الحيوان‏.‏

‏{‏الشمس والقمر‏}‏ يجريان ‏{‏بحسبان‏}‏ بحسابٍ لا يجاوزانه‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏6- 17‏]‏

‏{‏وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ‏(‏6‏)‏ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ‏(‏7‏)‏ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ‏(‏8‏)‏ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ‏(‏9‏)‏ وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ‏(‏10‏)‏ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ ‏(‏11‏)‏ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ ‏(‏12‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏13‏)‏ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ‏(‏14‏)‏ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ‏(‏15‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏16‏)‏ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏والنجم‏}‏ كلُّ نبتٍ لا يقوم على ساق، ولا يبقى على الشَّتاء‏.‏ ‏{‏والشجر يسجدان‏}‏ يخضعان لله تعالى بما يريد منهما‏.‏

‏{‏والسماء رفعها‏}‏ فوق الأرض ‏{‏ووضع الميزان‏}‏ العدل والإنصاف‏.‏

‏{‏أن لا‏}‏ لئلا ‏{‏تطغوا‏}‏ تجاوزوا القدر ‏{‏في الميزان‏}‏‏.‏

‏{‏وأقيموا الوزن بالقسط‏}‏ بالعدل ‏{‏ولا تخسروا الميزان‏}‏ لا تنقصوا الوزن‏.‏

‏{‏والأرض وضعها للأنام‏}‏ للجنِّ والإنس‏.‏

‏{‏فيها فاكهة‏}‏ أنواع الفواكه ‏{‏والنخل ذات الأكمام‏}‏ أوعية الثَّمر‏.‏

‏{‏والحب ذو العصف‏}‏ أَيْ‏:‏ ورق الزَّرع‏.‏ وقيل‏:‏ هو التِّبن ‏{‏والريحان‏}‏ الرِّزق، ثمَّ خاطب الجن والإنس فقال‏:‏

‏{‏فبأي آلاء‏}‏ نِعمَ ‏{‏ربكما‏}‏ من هذه الأشياء التي ذكرها ‏{‏تكذبان‏}‏ لأنَّها كلَّها مُنعَمٌ بها عليكُم في دلالتها إيَّاكم على وحدانيَّة الله سبحانه، ثمَّ كرر في هذه السُّورة هذه الآية توكيداً وتذكيراً لنعمه‏.‏

‏{‏خلق الإنسان‏}‏ آدم ‏{‏من صلصال‏}‏ طينٍ يابسٍ يُسمع له صلصلةٌ ‏{‏كالفخار‏}‏ وهو ما طبخ من الطِّين‏.‏

‏{‏وخلق الجان‏}‏ أَيْ‏:‏ أبا الجن ‏{‏من مارج‏}‏ من لهب النَّار الخالص‏.‏

‏{‏رب المشرقين ورب المغربين‏}‏ مشرق الصَّيف ومشرق الشَّتاء، وكذلك المغربان‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏19- 32‏]‏

‏{‏مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ‏(‏19‏)‏ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ‏(‏20‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏21‏)‏ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ‏(‏22‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏23‏)‏ وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ‏(‏24‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏25‏)‏ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ‏(‏26‏)‏ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ‏(‏27‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏28‏)‏ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ‏(‏29‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏30‏)‏ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ ‏(‏31‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏مرج البحرين‏}‏ خلط البحر العذب والبحر المالح ‏{‏يلتقيان‏}‏ يجتمعان، وذلك أنَّ البحر المالح فيه عيون ماءٍ عذبٍ‏.‏

‏{‏بينهما برزخ‏}‏ حاجزٌ من قدرة الله ‏{‏لا يبغيان‏}‏ لا يختلطان ولا يُجاوزان ما قدَّر الله لهما، فلا الملح يختلط بالعذب، ولا العذب يختلط بالملح‏.‏

‏{‏يخرج منهما‏}‏ أراد‏:‏ من أحدهما، وهو الملح ‏{‏اللؤلؤ‏}‏ وهو الحبُّ الذي يخرج من البحر ‏{‏والمرجان‏}‏ صغار اللؤلؤ‏.‏

‏{‏وله الجوار‏}‏ السُّفن ‏{‏المنشئات‏}‏ المرفوعات‏.‏ ‏{‏كالأعلام‏}‏ كالجبال في العظم‏.‏

‏{‏كلُّ مَنْ عليها‏}‏ على الأرض من حيوانٍ ‏{‏فانٍ‏}‏ هالكٌ‏.‏

‏{‏ويبقى وجه ربك‏}‏ وهو السَّيِّد ‏{‏ذو الجلال‏}‏ العظمة ‏{‏والإِكرام‏}‏ لأنبيائه وأوليائه‏.‏

‏{‏يسأله من في السموات والأرض‏}‏ من مَلَكٍ وإنس وجنِّ الرِّزقَ والمغفرة وما يحتاجون إليه ‏{‏كلَّ يوم هو في شأن‏}‏ من إظهار أفعاله، وإحداث ما يريد من إحياءٍ وإماتةٍ، وخفضٍ ورفعٍ، وقبضٍ وبسطٍ‏.‏

‏{‏سنفرغ لكم‏}‏ سنقصد لحسابكم بعد الإمهال ‏{‏أيها الثقلان‏}‏ يعني‏:‏ الجنَّ والإنس‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏33- 43‏]‏

‏{‏يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ‏(‏33‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏34‏)‏ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ ‏(‏35‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏36‏)‏ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ‏(‏37‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏38‏)‏ فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ ‏(‏39‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏40‏)‏ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ ‏(‏41‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏42‏)‏ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ ‏(‏43‏)‏‏}‏

‏{‏يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا‏}‏ تخرجوا ‏{‏من أقطار السموات والأرض‏}‏ نواحيها هاربين من الموت ‏{‏فانفذوا‏}‏ فاخرجوا ‏{‏لا تنفذون إلاَّ بسلطان‏}‏ أَيْ‏:‏ حيث ما كنتم شاهدتم حجَّة الله وسلطاناً يدلُّ على أنَّه واحد‏.‏

‏{‏يرسل عليكما شواطٌ من نار‏}‏ وهو اللَّهب الذي لا دخان له ‏{‏ونحاس‏}‏ وهو الدخان ‏[‏الذي لا لهب له‏]‏ أَيْ‏:‏ يُرسل هذا مرَّةً وهذا مرَّةً، وهو في يوم القيامة يُحاط على الخلق بلسانٍ من نارٍ ‏{‏فلا تنتصران‏}‏ أَيْ‏:‏ تمتنعان‏.‏

‏{‏فإذا انشقت السماء‏}‏ انفرجت أبواباً لنزول الملائكة ‏{‏فكانت وردة‏}‏ في اختلاف ألوانها كالدُّهن واختلاف ألوانه‏.‏

‏{‏فيومئذٍ لا يسأل عن ذنبه‏}‏ سؤالَ استفهامٍ، ولكن يُسألون سؤالَ تقريعٍ وتوبيخٍ‏.‏

‏{‏يعرف المجرمون بسيماهم‏}‏ بعلامتهم، وهي سواد الوجوه، وزرقة العيون ‏{‏فيؤخذ بالنواصي والأقدام‏}‏ تضمُّ نواصيهم إلى أقدامهم، ويُلقون في النَّار، والنَّواصي‏:‏ جمع النَّاصية، وهو شعر الجبهة، ثم يقال لهم‏:‏

‏{‏هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏44- 60‏]‏

‏{‏يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ ‏(‏44‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏45‏)‏ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ‏(‏46‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏47‏)‏ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ ‏(‏48‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏49‏)‏ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ ‏(‏50‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏51‏)‏ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ ‏(‏52‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏53‏)‏ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ ‏(‏54‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏55‏)‏ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ‏(‏56‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏57‏)‏ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ‏(‏58‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏59‏)‏ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ‏(‏60‏)‏‏}‏

‏{‏يطوفون بينها وبين حميم آن‏}‏ وهو الذي قد انتهى في الحرارة، والمعنى أنَّهم إذا استغاثوا من النَّار جُعل غياثهم الحميم الآني، فيُطاف بهم مرَّةً إلى الحميم، ومرَّةً إلى النَّار‏.‏

‏{‏ولمن خاف مقام ربه‏}‏ قيامه بين يدي الله تعالى للحساب، فترك المعصية‏.‏ ‏{‏جنتان‏}‏‏.‏

‏{‏ذواتا أفنان‏}‏ أغصانٍ‏.‏

‏{‏فيهما عينان تجريان‏}‏ إحدهما بالماء الزُّلال، والأخرى بالخمر‏.‏

‏{‏فيهما من كلِّ فاكهة زوجان‏}‏ نوعان كلاهما حلو‏.‏

‏{‏متكئين على فرش‏}‏ جمع فراش ‏{‏بطائنها‏}‏ ما بطن منها، وهو ضدُّ الظَّاهر ‏{‏من إستبرق‏}‏ وهو ما غلظ من الدِّيباج ‏{‏وجنى الجنتين‏}‏ ثمرهما ‏{‏دان‏}‏ قريبٌ يناله القاعد والقائم‏.‏

‏{‏فيهن قاصرات الطرف‏}‏ حابسات الأعين إلاَّ على أزواجهنَّ، ولا ينظرن إلى غيرهم ‏{‏لم يَطْمِثْهُنَّ‏}‏ لم يُجامعهنَّ ‏{‏إنس قبلهم‏}‏ قبل أزواجهن ‏{‏ولا جانٌ‏}‏‏.‏

‏{‏كأنهنَّ الياقوت‏}‏ في الصَّفاء ‏{‏والمرجان‏}‏ في البياض‏.‏

‏{‏هل جزاء الإِحسان إلاَّ الإِحسان‏}‏ ما جزاء مَنْ أحسن في الدُّنيا بطاعة الله تعالى إلاَّ الإِحسان إليه في الآخر بالجنَّة ونعيمها‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏61- 64‏]‏

‏{‏فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏61‏)‏ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ ‏(‏62‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏63‏)‏ مُدْهَامَّتَانِ ‏(‏64‏)‏‏}‏

‏{‏ومن دونهما‏}‏ وسوى الجنتين الأُولَيَيْنِ ‏{‏جنتان‏}‏ أُخريان‏.‏

‏{‏مدهامتان‏}‏ سوداوان لشدَّة الخضرة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏70- 72‏]‏

‏{‏فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ‏(‏70‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏71‏)‏ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ‏(‏72‏)‏‏}‏

‏{‏فيهن خيرات‏}‏ نساء فاضلات الأخلاق ‏{‏حسان‏}‏ الوجوه‏.‏

‏{‏حور‏}‏ سود الأحداق ‏{‏مقصورات‏}‏ محبوساتٌ ‏{‏في الخيام‏}‏ من الدُّرِّ المُجوَّفة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏76- 78‏]‏

‏{‏مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ‏(‏76‏)‏ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‏(‏77‏)‏ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ‏(‏78‏)‏‏}‏

‏{‏متكئين على رفرف‏}‏ وهو ما فضل من الفرش والبسط‏.‏ وقيل‏:‏ الوسائد‏.‏ ‏{‏وعبقري‏}‏ أَيْ‏:‏ الزَّرابي والطَّنافس ‏{‏حسان‏}‏ ثمَّ ختم السورة بما ينبغي أن يُمجَّد به ويُعظَّم، فقال‏:‏

‏{‏تبارك اسم ربك ذي الجلال والإِكرام‏}‏‏.‏

سورة الواقعة

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 11‏]‏

‏{‏إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ‏(‏1‏)‏ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ‏(‏2‏)‏ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ‏(‏3‏)‏ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا ‏(‏4‏)‏ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ‏(‏5‏)‏ فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ‏(‏6‏)‏ وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً ‏(‏7‏)‏ فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ‏(‏8‏)‏ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ‏(‏9‏)‏ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ‏(‏10‏)‏ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏إذا وقعت الواقعة‏}‏ جاءت القيامة‏.‏

‏{‏ليس لوقعتها‏}‏ لمجيئها ‏{‏كذبٌ‏}‏‏.‏

‏{‏خافضة رافعة‏}‏ تخفض قوماً إلى النَّار، وترفع آخرين إلى الجنَّة‏.‏

‏{‏إذا رجَّت الأرض رجّاً‏}‏ حُرَّكت الأرض حركةً شديدةً‏.‏

‏{‏وبست الجبال بساً‏}‏ فتَّت فتَّاً‏.‏

‏{‏فكانت هباء منبثاً‏}‏ غُباراً متقرِّقاً‏.‏

‏{‏وكنتم‏}‏ في ذلك اليوم ‏{‏أزواجاً‏}‏ أَصنافاً ‏{‏ثلاثة‏}‏ ثمَّ بيَّن الأصناف، فقال‏:‏

‏{‏فأصحاب الميمنة‏}‏ وهم الذين يُؤتون كتبهم بأيمانهم‏.‏ وقيل‏:‏ الذين كانوا على يمين آدم عليه السَّلام حين أخرج الذُّريَّة من ظهره ‏{‏من أصحاب الميمنة‏}‏ أَيُّ شيءٍ هم‏؟‏ على التَّعظيم لشأنهم‏.‏

‏{‏وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة‏}‏ أَيْ‏:‏ الشِّمال‏.‏ تفسيرها على ضدِّ تفسير التي قبلها‏.‏

‏{‏والسابقون‏}‏ إلى الإِيمان، من كلِّ أمَّةٍ ‏{‏السابقون‏}‏ إلى رحمة الله وجنَّته‏.‏

‏{‏أولئك المقربون‏}‏ إلى كرامة الله‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏13- 15‏]‏

‏{‏ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ‏(‏13‏)‏ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ ‏(‏14‏)‏ عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏ثلة من الأولين‏}‏ جماعةٌ من الأمم الماضية‏.‏

‏{‏وقليل من الآخرين‏}‏ من هذه الأُمّة‏.‏ يريد‏:‏ من سابقي الأمم وسابقي هذه الأُمَّة‏.‏

‏{‏على سرر موضونة‏}‏ منسوجةٍ بقضبان الذَّهب والجواهر‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏17- 20‏]‏

‏{‏يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ ‏(‏17‏)‏ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ‏(‏18‏)‏ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ ‏(‏19‏)‏ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏ولدان مخلدون‏}‏ غلمانٌ لا يموتون ولا يهرمون‏.‏

‏{‏بأكواب‏}‏ بأقداحٍ لا عُرى لها ‏{‏وأباريق‏}‏ التي لها عُرى وخراطيم ‏{‏وكأس‏}‏ إناءٍ ‏{‏من معين‏}‏ من خمرٍ جاريةٍ‏.‏

‏{‏لا يصدعون عنها‏}‏ لا ينالهم الصُّداع عن شربها ‏{‏ولا ينزفون‏}‏ ولا يسكرون‏.‏

‏{‏وفاكهة مما يتخيرون‏}‏ يختارون‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏22- 23‏]‏

‏{‏وَحُورٌ عِينٌ ‏(‏22‏)‏ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏وحور‏}‏ جوارٍٍ وغلمانٌ شديدات سواد الأعين وبياضها ‏{‏عين‏}‏ ضخام العيون‏.‏

‏{‏كأمثال‏}‏ كأشباه ‏{‏اللؤلؤ المكنون‏}‏ في صفاء اللَّون، والمكنون‏:‏ المستور في كِنِّه، وهو الصَّدَف‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏25- 34‏]‏

‏{‏لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا ‏(‏25‏)‏ إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ‏(‏26‏)‏ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ‏(‏27‏)‏ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ‏(‏28‏)‏ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ‏(‏29‏)‏ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ‏(‏30‏)‏ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ ‏(‏31‏)‏ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ‏(‏32‏)‏ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ‏(‏33‏)‏ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ‏(‏34‏)‏‏}‏

‏{‏لا يسمعون فيها‏}‏ في الجنَّات ‏{‏لغواً‏}‏ كاملاً فاحشاً ‏{‏ولا تأثيماً‏}‏ ولا ما يوقع في الإِثم‏.‏

‏{‏إلاَّ قيلاً‏}‏ قولاً ‏{‏سلاماً سلاماً‏}‏ ما يسلمون فيه اللَّغو والإٍثم، ثمَّ ذكر منازل أصحاب الميمنة، فقال‏:‏

‏{‏في سدر‏}‏ وهو نوعٌ من الشَّجر ‏{‏مخضود‏}‏ مقطوعِ الشَّوك، لا كسدر الدُّنيا‏.‏

‏{‏وطلح‏}‏ وهو شجر الموز ‏{‏منضود‏}‏ نُضِدَ بالحمل من أوَّله إلى آخره، فليست له سوقٌ بارزةٌ‏.‏

‏{‏وظل ممدود‏}‏ دائمٍ ثابت‏.‏

‏{‏وماء مسكوب‏}‏ جارٍ غير منقطع‏.‏

‏{‏وفاكهة كثيرة‏}‏‏.‏

‏{‏لا مقطوعة‏}‏ بالأزمان ‏{‏ولا ممنوعة‏}‏ بالأثمان‏.‏

‏{‏وفرش مرفوعة‏}‏ على السُّرر‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏35- 50‏]‏

‏{‏إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً ‏(‏35‏)‏ فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ‏(‏36‏)‏ عُرُبًا أَتْرَابًا ‏(‏37‏)‏ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ ‏(‏38‏)‏ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ‏(‏39‏)‏ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ ‏(‏40‏)‏ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ ‏(‏41‏)‏ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ ‏(‏42‏)‏ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ‏(‏43‏)‏ لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ ‏(‏44‏)‏ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ ‏(‏45‏)‏ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ ‏(‏46‏)‏ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ‏(‏47‏)‏ أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ ‏(‏48‏)‏ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ ‏(‏49‏)‏ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ‏(‏50‏)‏‏}‏

‏{‏إنا أنشأناهن‏}‏ خلقناهنَّ، أَيْ‏:‏ الحور العين ‏{‏إنشاء‏}‏ خلقاً من غير ولادةٍ‏.‏

‏{‏فجعلناهنَّ أبكاراً‏}‏ عذارى‏.‏

‏{‏عُرباً‏}‏ مُتحبِّبات إلى الأزواج، عواشق لهم ‏{‏أتراباً‏}‏ مُستوياتٍ في السنِّ‏.‏

‏{‏لأصحاب اليمين‏}‏‏.‏

‏{‏ثلة من الأولين‏}‏ من الأمم الماضية‏.‏

‏{‏وثلة من الآخرين‏}‏ من هذه الأُمَّة‏.‏ يعني‏:‏ إنَّ أصحاب الجنَّة نصفان‏:‏ نصفٌ من الأمم الماضية، ونصفٌ من هذه الأمَّة، ثمَّ ذكر منازل أصحاب الشِّمال، فقال‏:‏

‏{‏في سموم‏}‏ ريحٍ حارَّةٍ ‏{‏وحميم‏}‏‏.‏

‏{‏وظلٍّ من يحموم‏}‏ دخانٍ شديد السَّواد ‏{‏لا بارد‏}‏ المنزل ‏{‏ولا كريم‏}‏ المنظر‏.‏

‏{‏إنهم كانوا قبل ذلك‏}‏ في الدُّنيا ‏{‏مترفين‏}‏ مُنعَّمين لا يتعبون في طاعة الله‏.‏

‏{‏وكانوا يصرون على الحنث العظيم‏}‏ يُقيمون على الذَّنب العظيم، وهو الشِّرك، وكانوا يُنكرون البعث‏.‏ ‏{‏وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أَإِنّا لمبعوثون‏}‏‏.‏ فقال الله تعالى‏:‏

‏{‏قل إنَّ الأولين والآخرين‏}‏‏.‏ ‏{‏لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم‏}‏ وهو يوم القيامة ومعنى ‏{‏إلى ميقات‏}‏ لميقات يوم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏55- 65‏]‏

‏{‏فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ‏(‏55‏)‏ هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ‏(‏56‏)‏ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ ‏(‏57‏)‏ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ ‏(‏58‏)‏ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ‏(‏59‏)‏ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ‏(‏60‏)‏ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ ‏(‏61‏)‏ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ ‏(‏62‏)‏ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ‏(‏63‏)‏ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ‏(‏64‏)‏ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ‏(‏65‏)‏‏}‏

‏{‏شرب الهيم‏}‏ أَيْ‏:‏ الإِبل العطاش‏.‏

‏{‏هذا نزلهم‏}‏ ما أعدَّ لهم من الرِّزق ‏{‏يوم الدين‏}‏ المجازاة‏.‏

‏{‏نحن خلقناكم‏}‏ ابتداءً ‏{‏فلولا‏}‏ فهلاَّ ‏{‏تصدّقون‏}‏ بالخلق الثَّاني، وهو البعث‏.‏

‏{‏أفرأيتم ما تمنون‏}‏ تصبُّون في الأرحام من المنيّ‏.‏

‏{‏أأنتم تخلقونه‏}‏ بشراً ‏{‏أم نحن الخالقون‏}‏‏.‏

‏{‏نحن قدَّرنا‏}‏ قضينا ‏{‏بينكم الموت وما نحن بمسبوقين‏}‏‏.‏

‏{‏على أن نبدِّل أمثالكم‏}‏ أَيْ‏:‏ إن أردنا أن نخلق خلقاً غيركم لم نُسبق، ولا فاتنا ذلك ‏{‏وننشئكم‏}‏ نخلقكم ‏{‏فيما لا تعلمون‏}‏ من الصُّور، أَيْ‏:‏ نجعلكم قردةً وخنازير، والمعنى‏:‏ لسنا عاجزين عن خلق أمثالكم بدلاً منكم، ومسخكم من صوركم إلى غيرها‏.‏

‏{‏ولقد علمتم النشأة الأولى‏}‏ الخلقة الأولى، أَيْ‏:‏ أقررتم بأنَّ الله خلقكم في بطون أُمَّهاتكم ‏{‏فلولا تذكرون‏}‏ أنِّي قادرٌ على إعادتكم‏.‏

‏{‏أفرأيتم ما تحرثون‏}‏ تقلبون من الأرض وتلقون فيه من البذر‏.‏

‏{‏أأنتم تزرعونه‏}‏ تنبتونه ‏{‏أم نحن الزارعون‏}‏‏.‏

‏{‏لو نشاء لجعلناه حطاماً‏}‏ تبناً يابساً لا حَبَّ فيه ‏{‏فظلتم تفكهون‏}‏ تعجبون وتندمون ممَّا نزل بكم، وممَّا علمتم من الحرث، وتقولون‏:‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏66- 67‏]‏

‏{‏إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ‏(‏66‏)‏ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ‏(‏67‏)‏‏}‏

‏{‏إنا لمغرمون‏}‏ صار ما أنفقنا على الحرث غُرْماً علينا‏.‏

‏{‏بل نحن محرومون‏}‏ ممنوعون مُنعنا رزقنا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏70- 75‏]‏

‏{‏لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ‏(‏70‏)‏ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ‏(‏71‏)‏ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ ‏(‏72‏)‏ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ‏(‏73‏)‏ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ‏(‏74‏)‏ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ‏(‏75‏)‏‏}‏

‏{‏أجاجاً‏}‏ أَيْ‏:‏ مِلحاً لا يمكن شربه‏.‏

‏{‏أفرأيتم النار التي تورون‏}‏ تقدحون‏.‏

‏{‏أأنتم أنشأتم‏}‏ خلقتم ‏{‏شجرتها‏}‏ التي تخرج منها‏.‏

‏{‏نحن جعلناها تذكرة‏}‏ يتذكَّر بها نار جهنَّم ‏{‏ومتاعاً‏}‏ ومنفعةً ‏{‏للمقوين‏}‏ للمسافرين‏.‏

‏{‏فسبح باسم ربك العظيم‏}‏ أَيْ‏:‏ نَزِّه الله ممَّا يقول المشركون‏.‏

‏{‏فلا أقسم‏}‏ ‏"‏ لا ‏"‏ زائدة ‏{‏بمواقع النجوم‏}‏ مساقطها ومغاربها‏.‏ وقيل‏:‏ أراد نجوم القرآن‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏77- 78‏]‏

‏{‏إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ ‏(‏77‏)‏ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ‏(‏78‏)‏‏}‏

‏{‏إنه لقرآن كريم‏}‏ حسنٌ عزيزٌ‏.‏

‏{‏في كتاب مكنون‏}‏ مصونٍ عند الله‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏79- 89‏]‏

‏{‏لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ‏(‏79‏)‏ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏(‏80‏)‏ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ ‏(‏81‏)‏ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ‏(‏82‏)‏ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ‏(‏83‏)‏ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ‏(‏84‏)‏ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ‏(‏85‏)‏ فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ‏(‏86‏)‏ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏87‏)‏ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ‏(‏88‏)‏ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ‏(‏89‏)‏‏}‏

‏{‏لا يمسه‏}‏ باليد، أَيْ‏:‏ المصحف ‏{‏إلاَّ المطهرون‏}‏ من الجنابات والأحداث‏.‏

‏{‏تنزيل من رب العالمين‏}‏‏.‏

‏{‏أفبهذا الحديث‏}‏ أَيْ‏:‏ القرآن ‏{‏أنتم مدهنون‏}‏ مُكِّذبون‏.‏

‏{‏وتجعلون رزقكم‏}‏ شكر زرقكم، فحذف الشُّكر ‏{‏أنكم تكذبون‏}‏ بسقيا الله إذا مُطرتم، وتقولون‏:‏ مطرنا بنوء كذا‏.‏

‏{‏فلولا‏}‏ فهلاَّ ‏{‏إذا بلغت‏}‏ الرُّوح ‏{‏الحلقوم‏}‏‏.‏

‏{‏وأنتم‏}‏ يا أصحاب الميت ‏{‏حينئذٍ تنظرون‏}‏ إليه وهو في النَّزع‏.‏

‏{‏ونحن أقرب إليه منكم‏}‏ بالعلم والقدرة ‏{‏ولكن لا تبصرون‏}‏ لا تعلمون ذلك‏.‏

‏{‏فلولا إن كنتم غير مَدِينين‏}‏ مملوكين ومجزيين‏.‏

‏{‏ترجعونها‏}‏ أَيْ‏:‏ تردُّون الرُّوح إلى الميِّت ‏{‏إن كنتم صادقين‏}‏ أنَّكم غير مملوكين وغير مُدْبِرين‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ترجعونها‏}‏ جوابٌ واحدٌ لشيئين، وقوله‏:‏ ‏{‏فلولا إذا بلغت الحلقوم‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فلولا إن كنتم‏}‏ ثمَّ ذكر مآل الخلق بعد الموت فقال‏:‏

‏{‏فأمَّا إن كان المقربين‏}‏‏.‏ ‏{‏فروح‏}‏ فلهم روحٌ، أَيْ‏:‏ استراحةٌ وبردٌ ‏{‏وريحان‏}‏ ورزقٌ حسنٌ‏.‏

‏{‏وأمَّا إن كان من أصحاب اليمين‏}‏‏.‏ ‏{‏فسلام لك من أصحاب اليمين‏}‏ أَيْ‏:‏ إنَّك ترى فيهم ما تحبُّ من السَّلامة وقد علمت ما أعدَّ لهم من الجزاء، لأنَّه قد بُيِّن لك في قوله‏:‏ ‏{‏في سدر مخضود‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآيات‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏92- 96‏]‏

‏{‏وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ ‏(‏92‏)‏ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ ‏(‏93‏)‏ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ‏(‏94‏)‏ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ‏(‏95‏)‏ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ‏(‏96‏)‏‏}‏

‏{‏وإمَّا إن كان من المكذبين الضالين‏}‏ وهم أصحاب المشأمة‏.‏

‏{‏فنزل من حميم‏}‏ فلهم نزلٌ أعدَّ لهم من شراب جهنَّم‏.‏

‏{‏وتصلية جحيم‏}‏ إدخال النَّار‏.‏

‏{‏إنَّ هذا‏}‏ الذي ذكرت ‏{‏لهو حق اليقين‏}‏‏.‏

‏{‏فسبح باسم ربك العظيم‏}‏ أَيْ‏:‏ نزِّه الله من السُّوء‏.‏

سورة الحديد

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم‏}‏ ذُكر تفسيرها في قوله‏:‏ ‏{‏وإنْ مِنْ شيءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بحمده‏.‏‏}‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏3- 4‏]‏

‏{‏هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏3‏)‏ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏هو الأوَّل‏}‏ قبل كلِّ شيءٍ، فكلُّ شيءٍ دونه ‏{‏والباطن‏}‏ العالم بكلِّ شيءٍ‏.‏

‏{‏يعلم ما يلج في الأرض‏}‏ ما يدخل فيها من مطرٍِ وغيره ‏{‏وما يخرج منها‏}‏ من نباتٍ وشجرٍ ‏{‏وما ينزل من السماء‏}‏ من رزقٍ ومطرٍ، ومَلكٍ وأمرٍ ‏{‏وما يعرج فيها‏}‏ يصعد إليها من عملٍ ‏{‏وهو معكم‏}‏ بالعلم والقدرة ‏{‏أينما كنتم‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏7- 8‏]‏

‏{‏آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ‏(‏7‏)‏ وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏آمنوا بالله ورسوله‏}‏ صدِّقوا بأنَّ الله تعالى واحدٌ، وأنَّ محمداً رسول الله ‏{‏وأنفقوا‏}‏ من المال الذي ‏{‏جعلكم مستخلفين فيه‏}‏ أَيْ‏:‏ كان لغيركم فملكتموه‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏وقد أخذ ميثاقكم‏}‏ أَيْ‏:‏ حين أخرجكم من ظهر آدم عليه السَّلام بأنَّ الله ربُّكم لا إله لكم سواه ‏{‏إن كنتم مؤمنين‏}‏ أي‏:‏ إِن كنتم على أن تؤمنوا يوماً من الأيام‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏10- 15‏]‏

‏{‏وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ‏(‏10‏)‏ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ‏(‏11‏)‏ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ‏(‏12‏)‏ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ‏(‏13‏)‏ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ‏(‏14‏)‏ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏وما لكم أنْ لا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض‏}‏ أَيْ‏:‏ أَيُّ شيءٍ لكم في ترك الإِنفاق في طاعة الله وأنتم ميِّتون تاركون أموالكم، ثمَّ بيَّن فضل السَّابقين في الإنفاق والجهاد، فقال‏:‏ ‏{‏لا يستوي منكم مَنْ أنفق من قبل الفتح‏}‏ يعني‏:‏ فتح مكَّة ‏{‏وقاتل‏}‏ جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أعداء الله‏.‏ ‏{‏أولئك أعظم درجة‏}‏ ‏[‏يعني‏:‏ عند الله‏]‏ ‏{‏من الذين أنفقوا من بعد‏}‏ الفتح ‏{‏وقاتلوا وكلاً‏}‏ من الفريقين ‏{‏وعد الله الحسنى‏}‏ الجنَّة‏.‏

‏{‏من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً‏}‏ ذُكر تفسيره في سورة البقرة‏.‏

‏{‏يوم ترى المؤمنين والمؤمنات‏}‏ وهو يوم القيامة ‏{‏يسعى نورهم‏}‏ على الصِّراط ‏{‏بين أيديهم وبأيمانهم‏}‏ وتقول لهم الملائكة‏:‏ ‏{‏بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم‏}‏‏.‏

‏{‏يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظروا نقتبس من نوركم‏}‏ انتظرونا وقفوا لنا نستضئ بنوركم ‏{‏قيل‏}‏ لهم ‏{‏ارجعوا وراءكم‏}‏ من حيث جئتم ‏{‏فالتمسوا نوراً‏}‏ فلا نور لكم عندنا ‏{‏فضرب بينهم‏}‏ بين المؤمنين والمنافقين‏.‏ ‏{‏بسور‏}‏ وهو حاجزٌ بين الجنَّة والنَّار‏.‏ قيل‏:‏ هو سور الأعراف ‏{‏له باب‏}‏ في ذلك السُّور بابٌ ‏{‏باطنه فيه الرحمة‏}‏ لأنَّ ذلك الباب يُفضي إلى الجنَّة ‏{‏وظاهره من قبله‏}‏ أَيْ‏:‏ من قبل ذلك الظَّاهر ‏{‏العذاب‏}‏ وهو النَّار‏.‏

‏{‏ينادونهم‏}‏ ينادي المنافقون المؤمنين‏:‏ ‏{‏ألم نكن معكم‏}‏ في الدُّنيا نناكحكم ونوارثكم ‏{‏قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم‏}‏ آثمتموها بالنِّفاق ‏{‏وتربصتم‏}‏ بمحمدَّ عليه السَّلام الموت ‏{‏وارتبتم‏}‏ شككتم في الإيمان ‏{‏وغرَّتكم الأمانيّ‏}‏ ما كنتم تمنَّون من نزول الدَّوابر بالمؤمنين ‏{‏حتى جاء أمر لله‏}‏ الموت ‏{‏وغرَّكم بالله‏}‏ أَيْ‏:‏ بحلمه وإمهاله ‏{‏الغرور‏}‏ الشَّيطان‏.‏

‏{‏فاليوم لا يؤخذ منكم فدية‏}‏ بدلٌ ‏{‏ولا من الذين كفروا‏}‏ وهم المشركون ‏{‏مأواكم النار‏}‏ منزلكم النَّار ‏{‏هي مولاكم‏}‏ أولى بكم ‏{‏وبئس المصير‏}‏ هي‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏16- 25‏]‏

‏{‏أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ‏(‏16‏)‏ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ‏(‏17‏)‏ إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ‏(‏18‏)‏ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ‏(‏19‏)‏ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ‏(‏20‏)‏ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ‏(‏21‏)‏ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ‏(‏22‏)‏ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ‏(‏23‏)‏ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ‏(‏24‏)‏ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏ألم يأن للذين آمنوا‏}‏ ألم يحن ‏{‏أن تخشع قلوبهم‏}‏ ترقَّ وتلين ‏{‏لذكر الله وما نزل من الحق‏}‏ وهو القرآن، وهذا حثٌّ من الله تعالى لقومٍ من المؤمنين على الرِّقة والخشوع ‏{‏ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل‏}‏ أي‏:‏ اليهود والنَّصارى ‏{‏فطال عليهم الأمد‏}‏ الزَّمان بينهم وبين أنبيائهم ‏{‏فقست قلوبهم‏}‏ لم تَلِنْ لذكر الله، ونسوا ما عهد الله سبحانه إليهم في كتابهم ‏{‏وكثير منهم فاسقون‏}‏ وهم الذين تركوا الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏{‏اعلموا أنَّ الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات‏}‏ أَيْ‏:‏ إنَّ إحياء الأرض بعد موتها دليلٌ على توحيد الله تعالى وقدرته‏.‏

‏{‏إنَّ المصدِّقين والمصدقات‏}‏ الذين يتصدَّقون وينفقون في سبيل الله ‏{‏وأقرضوا الله قرضاً حسناً‏}‏ بالنَّفقة في سبيله ‏{‏يضاعف لهم‏}‏ ما عملوا ‏{‏ولهم أجرٌ كريم‏}‏ وهو الجنَّة‏.‏

‏{‏والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون‏}‏ المُبالغون في الصِّدق ‏{‏والشهداء عند ربهم‏}‏ أَي‏:‏ الأنبياء عليهم السَّلام ‏{‏لهم أجرهم ونورهم‏}‏ في ظلمة القبر‏.‏ وقيل‏:‏ هم جميع المؤمنين‏.‏

‏{‏اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو‏}‏ في انقضائها وقلَّة حاصلها ‏{‏وزينة‏}‏ يتزيَّنون بها ‏{‏وتفاخرٌ بينكم‏}‏ يفخر بها بعضكم على بعض ‏{‏وتكاثر في الأموال والأولاد‏}‏ مباهاةٌ بكثرتها، ثمَّ ضرب لها مثلاً فقال‏:‏ ‏{‏كمثل غيث‏}‏ مطرٍ ‏{‏أعجب الكفار‏}‏ أي‏:‏ الزُّراع ‏{‏نباتُه‏}‏ ما أنبته ذلك الغيث، ‏{‏ثم يهيج‏}‏ ييبس ‏{‏فتراه مصفراً‏}‏ بعد يبسه ‏{‏ثمَّ يكون حطاماً‏}‏ هشيماً مُتفتِّتاًَ، وكذلك الإِنسان يهرم ثمَّ يموت ويبلى ‏{‏وفي الآخرة عذاب شديد‏}‏ للكفَّار ‏{‏ومغفرة من الله ورضوان‏}‏ لأوليائه‏.‏

‏{‏سابقوا إلى مغفرة من ربكم‏}‏ ذُكر في سورة آل عمران عند قوله‏:‏ ‏{‏وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربِّكم‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏

‏{‏ما أصاب من مصيبة في الأرض‏}‏ بالجدبِ ‏{‏ولا في أنفسكم‏}‏ بالمرض والموت والخسران ‏{‏إلاَّ في كتاب‏}‏ أي‏:‏ اللَّوح المحفوظ ‏{‏من قبل أن نبرأها‏}‏ نخلق تلك المصيبة ‏{‏إنَّ ذلك على الله يسير‏}‏ أَيْ‏:‏ خلقها في وقتها بعد أَنْ كتبها في اللَّوح المحفوظ‏.‏

‏{‏لكيلا تأسوا على ما فاتكم‏}‏ من الدُّنيا ‏{‏ولا تفرحوا بما آتاكم‏}‏ أعطاكم منها، أَيْ‏:‏ لكيلا تحزنوا حزناً يُطغيكم، ولا تبطروا بالفرح بعد أَنْ علمتم أنَّ ما يصيبكم من خيرٍ وشرٍّ فمكتوب لا يخطئكم‏.‏ ‏{‏والله لا يحب كلَّ مختال‏}‏ مُتكبِّرٍ بما أُوتي من الدُّنيا ‏{‏فخور‏}‏ به على النَّاس‏.‏

‏{‏الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل‏}‏ ذُكر في سورة النِّساء‏.‏

‏{‏لقد أرسلنا رسلنا بالبينات‏}‏ بالدّلالات الواضحات ‏{‏وأنزلنا معهم الكتاب والميزان‏}‏ العدل ‏{‏ليقوم الناس بالقسط‏}‏ ليتعامل النَّاس بينهم بالعدل ‏{‏وأنزلنا الحديد‏}‏ وذلك أنَّ آدم عليه السَّلام نزل إلى الأرض بالعلاة والمطرقة وآلة الحدَّادين ‏{‏فيه بأس شديد‏}‏ قوَّةٌ وشدَّةٌ يُمتنع بها ويُحارب ‏{‏ومنافع للناس‏}‏ يستعملونه في أدواتهم ‏{‏وليعلم الله‏}‏ أَيْ‏:‏ أرسلنا الرُّسل ومعهم هذه الأشياء ليتعامل النَّاس بالحقِّ، وليرى الله مَنْ ينصر دينه ‏{‏ورسله بالغيب‏}‏ في الدُّنيا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏27- 29‏]‏

‏{‏ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ‏(‏27‏)‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏28‏)‏ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏ورهبانية ابتدعوها‏}‏ أَي‏:‏ ابتدعوا من قبل أنفسهم رهبانيَّةً، أَي‏:‏ التَّرهُّب في الصَّوامع ‏{‏ما كتبناها عليهم‏}‏ ما أمرناهم بها ‏{‏إلاَّ ابتغاء رضوان الله‏}‏ لكنَّهم ابتغوا بتلك الرَّهبانيَّة رضوان الله ‏{‏فما رعوها حق رعايتها‏}‏ أَيْ‏:‏ قصَّروا في تلك الرَّهبانيَّة حين لم يؤمنوا بمحمد عليه السَّلام، ‏{‏فآتينا الذين آمنوا منهم‏}‏ بمحمَّدٍ عليه السَّلام ‏{‏أجرهم وكثير منهم فاسقون‏}‏ وهم الذين لم يؤمنوا به‏.‏

‏{‏يا أيها الذين آمنوا‏}‏ بالتَّوراة والإنجيل ‏{‏اتقوا الله وآمنوا برسوله‏}‏ محمد عليه السَّلام ‏{‏يؤتكم كفلين‏}‏ نصيبين ‏{‏من رحمته‏}‏ نصيباً بإيمانكم الأوَّل، ونصيباً بإيمانكم بمحمَّد عليه السَّلام وكتابه ‏{‏ويجعل لكم نوراً تمشون به‏}‏ في الآخرة على الصِّراط ‏{‏ويغفر لكم‏}‏ وعدهم الله هذه الأشياء كلَّها على الإِيمان بمحمد عليه السَّلام، ثمَّ قال‏:‏

‏{‏لئلا يعلم‏}‏ أي‏:‏ ليعلم، و‏"‏ لا ‏"‏ زائدة ‏{‏أهل الكتاب‏}‏ اليهود والنَّصارى ‏{‏ألا يقدرون على شيء‏}‏ أنَّهم لا يقدرون على شيءٍ ‏{‏من فضل الله‏}‏ يعني‏:‏ إِنْ لم يؤمنوا لم يُؤتهم الله شيئاً ممَّا ذُكر ‏{‏وأنَّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم‏}‏